الجزء اللى قبل الاخير





(8)

بعد قرائتى لكلمات نور هذه أنهمرت دموعى على جبينى فى سيل لا ينقطع




فما تلك المشاعر الفياضة التى إمتلئت بها هذه الفتاة




إن هذا ليس الحب العادى ..


إنما هو حب مميت كما يقولون


هل أحبتنى إلى هذه الدرجة ..؟








فما الذى أقرأه الآن ..؟




أأنا السبب فى موتها ..؟




بل أنا من قام بقتلها ..؟








نعم لقد قتلتها آلاف المرات .. قتلتها حين دخلت عليها ومعى إمرأة ً أخرى أعتقد أنها من أفضل النساء






قتلتها حين تركت لها حرية الأختيار فى أن تترك المستشفى




وها أنذا أقتل نفسى بنفس الخنجر الذى طعنتها به ..






بنفس المرأة الخائنة التى دخلت حياتنا لتدمرها نهائيا ً ثم تخرج منها إلى الأبد






والآن فقط علمت أننى دفعت ثمن إختيارى لتلك المرأة الخائنة أكثر مما أتوقع


و وجدت نفسى أنغمس أكثر وأكثر فى قراءة مذكراتها لأعرف بقية خباياها




حتى وإن كان ما سأعرفه سيؤلمنى أكثر وأكثر




فقرأت كلماتها بعد ذلك وهى تروى ما حدث بعد أن تركت المستشفى قائلة : ـ






"" بعد أن خرجت من المستشفى وعدت لمنزلى كنت أتوقع ثورة أمى على


لكنها قابلت كل ذلك بصمت رهيب فلم تلومنى حتى ..




أقصد لم تتحدث معى على الإطلاق






وبعد دقائق سمعت صوته فى الخارج ..




إنــــــــــــــــــــــــه هو ..




صوته يعلو تدريجيا ً




لابد إنه علم بإننى تركت المستشفى حتماً




لم يمضى كثيرا حتى وجدته يطرق باب حجرتى ..






فأذنت له بالدخول وتظاهرت بإنشغالى فى ترتيب مقتنياتى بالحجرة




فصرخ فى وجهى : ـ






"" أنظرى إلى .. لما تتصرفين هذه التصرفات البلهاء ..لماذا تركتى المستشفى ...؟


إنكِ لستى طفلة .. إنكِ فتاه راشدة .. ما الهدف مما تفعلين ..؟""






وأنتظرت حتى أنهى كلماته ثم وجدت نفسي أتحدث بصوت يختلط به البكاء قائلة : ـ






"" من أعطاك الحق لتتحدث إلى هكذا وتتدخل فى صميم حياتى ..؟


فأنت لا تعلم شيئاً عن حجم الألم الذى أتعرض له يوميا ً ..


ولن تتخيل يوما ً ما الذى أعانيه




هل تعرف ماذا سيحدث لي بعد فترة من تناولى هذا الدواء اللعين ..؟


هل ترى هذا الوجه؟




.. سيشوبه الشحوب ..


هل ترى ضفائرى هذه ؟




.. ستختفى كإمرأة تعدت التسعين عاما ً




إذا كنت ستسطيع أن ترانى هكذا .. فأنا لن أستطيع






أعلم إننى قد أموت بين الحين والآخر ..




ولكننى سأموت كما أنا اليوم


وعندما تتذكرنى ستتذكر ذلك الوجه الجميل ..!!






سأموت هنا فى حجرتى بين مقتنياتى وذكرياتى .. وهذا كل ما أردته ""






ووجدته يرد علي قائلا ً : ـ






"" إننى فعلا ً لا أعلم شيئا ً عن معاناتك ""






فقلت له : ـ




"" إذن طالما لا تعلم شيئا ً عن أمر ٍ ما .. فلا تتحدث عنه.. الصمت أفضل لك ""






فكانت تلك الكلمات نهاية للحديث بيننا حيث خرج من حجرتى غاضبا ً متوترا ً مغادراً للمنزل كله






ولم آراه بعد ذلك لمدة خمسة أيام ..




كنت أشعر خلالها بالتأرجح بين الحياة والموت




ولكن اليوم الخامس ..






إنه يوم الخميس ..






يوم خطبته المعهود






فشعرت يومها بالأختناق




وسألت نفسى .. إن خطبته اليوم.. ما الذى سأفعله ؟




هل سأحضر تلك الخطبة ..؟




ولكن هل لدى إختيار آخر ..؟




فالان ما على سوى أن أعد نفسي لأذهب لحفلة الخطبة ..




وأحاول بقدر الإمكان أن أبدو فى هذا اليوم جميلة




وأخذت أجر قدماى التى عجزت يومها عن المشى




وعندما وصلت إليهم وجدت بالحفلة حشود من الجماهير التى حضرت من معارف العروسين




فأخذت أتجول بينهم أنظر إليهم لأصرف إنتباهى عنه..






لكن عينى كانت مركزة عليه وعلى تلك الفتاة التى أختارها






وجدته يحتوى عينيها بعينيه ..




وجدت ضحكاتهم تتراقص على شفتيهم ..






فقد حان الوقت ليهدى العريس الخاتم لعروسته ..




فها هو يتقدم إليها بإبتسامة عريضة على شفتيه




يقبل يدها ويضع خاتم الخطبة فى إصبعها فيحتوى يديها بين يديه ..




يتقدمون معاً إلى المسرح لتبدأ رقصة الزفاف






فلم أستطع أن أتحتمل ..




فقد تهشمت إرادتى حينها ..




وتزاحمت داخل مخيلتى هذه المشاهد




فأخذت




أسقط




وأسقط




وأسقط




فاقدة ً للحب أولا ً.. ثم فاقدة ً للوعى مغشيا ً على "











(9)







نقلونى إلى منزلى كبقايا جثة فى هذا اليوم لا أستطيع حتى أن اتنفس






وفى اليوم التالى أتى إلى ليطمئن على حالتى الصحية






و التى كنت قد أسترددت بعضا منهاً




وهنا أخذ هو وأمى يتحدثون إلى لأعود إلى المستشفى وأستكمل علاجى




فحاولوا الضغط على بكل قوتهم لأمتثل لرغبتهم




لكننى تعللت بنفس الأسباب السابقة وخوفى من الآثار الجانبية لهذا العلاج




فأخذت أتعلل لهم بالألم ولكنهم لا يعلمون أن الألم الذى أقصده هو ألم الحب وليس ألم المرض






فإنهم لا يعلمون أن للحب آثار جانبية قد تنهى حياة الإنسان وهذا هو ما أعانيه










وعندما خاب رجائهم فى أن أستكمل علاجى إلتزمت أمى الصمت بعدها لمدة أيام طويلة




أما هو فقد ذهب ولم يعد ..




لم آراه بعد ذلك الوقت لآيام طويلة كان يسئل على فيهم عن طريق أمى






ظللت هكذا لمدة شهر أكتب فيه رسائل أحتضاراتى ..




كنت خلال هذا الشهر أشعر أن الموت قريب منى فى مكان ما




وكل يوم أشعر بقربه منى أكثر وأكثر إنه قادم إلى قريبا ً لا محالة






فكنت كل يوم أستعد وأهيأ نفسى لأستقباله






وعندما لا يأتى أعلم إنه من المؤكد سيأتينى فى اليوم التالى




وطوال هذه الفترة العصبية فإن من أحببته لم يكن بجوارى حتى ولو عطفا ً وشفقة




ففى كل يوم كنت أشعر ببعده عنى أكثر




فأنتظرته كثيرا ً وكثيرا ً لينقذنى من اليأس من الموت المحقق لكنه لم يأتى رغم طول الأنتظار






حتى إننى أصبحت أنتظره فقط من أجل أن آراه ولو مرة أخيرة قبل أن أموت




وأصبح هذا هو رجائى




ولكن حتى هذا الكم الضئيل من الأمانى لم يتحقق لى وأصبحت هكذا مجرد حطام لإنسانة








********






وبعد أن قرأت تلك الكلمات لنور أيقنت فعلا ً بحجم ما كانت تعانيه






وشعرت بمدى قسوتى وبطشى




فقد كنت أذبحها ببطئ




ولو كنت أعلم إننى من الممكن بكلمة واحدة ٍ منى أن أمنحها الحياة لما ترددت لحظة واحدة عن ذلك






ففتاة مثل نور قلما تجدها بحياتك




فقد أعطتنى الحب الذى طالما بحثت عنه لأجده بالقرب منى وأنا لا أشعر به




فأنا إذن المخطئ لإننى بحثت عن الحب وهو معى وأعطيت حبى لقلوب لا تستحقه




وحرمت أقرب الناس إلى من عطفى وهم فى أمس الحاجة إلى




وفى هذا الوقت شعرت إننى مجرم ..




فكيف أستطعت أن أقتلها هكذا ببرودة أعصابى




وحينها أيقنت فقط إننا من الممكن أن نتسبب بالمعاناة لمن حولنا دون أن نشعر




بل ونقتلهم بقسوة دون أن ندرى حجم الذى يعانونه




فكانت نور خير مثال على ذلك وكانت خير معلم لى ..




علمتنى كيف أحب موتا ً ..




كيف أعطى بدون مقابل ..




كيف أهب حياتى لمن يستحقها هنا فقط




فشعرت أنى أحب نور ..




نعم أحبها حبا ً لم أحبه لإمرأة من قبل




بل وتأكدت إننى كنت أحبها منذ قرون دون أن أدرى بمقدار عشقى لها




فكانت كل صفحة فى كتيب مذكراتها تذكرنى بحب أُحسد عليه






وتتسبب فى إنسيال دموعى لعدم تقديرى لهذا الحب




ونظرت إلى كتيب مذكراتها وجدته قد قارب على الانتهاء




فلم يبقى فيه سوى صفحتين إثنتين إنهما الصفحات التى تصف آخر أيام حياتها ..




نعم الصفحات التى تصف يوم مماتها




وهنا تذكرت مكالمتها لى فى هذا اليوم فها أنذا سأعرف لماذا حدثتنى نور بالهاتف يوم مماتها ..؟




ففتحت آخر صفحات الكتيب وأخذت فى قرآتها ...





تحياتى و للحديث بقية ,,

الجزء الرابع



(6)






بعد أن قرأت هذا الجزء من مذكرات نور أخذت أفكر هل سأستطيع أنا الآخر أن اواجه محنتى التى تعرضت لها اليوم بالإبتسام كما فعلت نور سابقا ً






ولكن هل هناك محنة أكبر من أن تعلم بأنك ستغادر الحياة بعد أيام أو شهور


فيا لها من فتاة عنيدة ..!!




كيف أستطاعت أن تفعل هذا بكل قوة ...؟




ثم أخذت أقرأ تفاصيل هذا اليوم ولكن ليس كما أتذكره بينما كما تتذكره هى


من واقع مذكراتها التى لم يطلع عليها أحد






وأخذت أتأمل معاناتها فى صمت والتى لم نشعر بها جميعنا على الرغم من بقائنا بجانبها طوال الوقت ...






فقد تحدثت عن هذا الجزء قائلة : ـ




"" فى هذا اليوم فقط بدأت بكتابة مذكراتى لشعورى بأن أجلى قد أقترب وإننى ربما سأصبح على فراش الموت بعد شهور""






ثم أكملت قائلة : ـ






"" لقد كنت أحاول جاهدة أن أُخبئ معاناتى عن أقرب الناس إلى حتى لا أعذبهم


أو أحملهم أكثر مما يحتملوا لذلك لم أجد طريقة تخفف عنى آلامى وتحتوى صراخى فى صمت سوى كتابتها على الصفحات كوسيلة لتخفيف الضغط على ""








ثم أخذت توصف حالتها تفصيليا ً عندما ينتابها نوبات الألم فتقول : ـ










"" كنت عندما أشعر بالمزيد من الآلام التى تفوق إحتمالى وطاقتى كنت أتعلل لأمى بإننى فى حاجة إلى النوم والراحة


ولكننى بالفعل لا أرى تلك الراحة سوى فى أحلامى فقط


فقد كنت أدخل حجرتى وأمكث فيها لأتألم وحدى وذلك بعد أن أطفئ أنوار الحجرة


حتى تتأكد أمى بأننى إمتثلت بالفعل إلى النوم


وحينها لا يبقى لى سوى الألم والظلام


وعلى الرغم من كل هذا فإننى لم أخبر مخلوقا ً بما كنت أعانيه ... ""










وبعد أن أستمعت لكلمات نور هذه تذكرت تلك الأيام وكيف مرت علينا أنا ووالدتها حيث أخذت أزيد من معدل زياراتى لهم حتى أصبحت أزورهم يوميا ً




وفى إحدى المرات أشتكت لى والدة نور من أن نور لا تريد الذهاب إلى المستشفى وبدء العلاج


وعهدت إلى بمهمة إقناعها






وبالفعل كان أول شئ فعلته عندما سنحت لى الفرصة للتحدث مع نور هو أن أقنعها بالذهاب إلى المستشفى بل وأترجاها لكى تفعل ذلك حيث قلت لها : ـ






"" لأجلى ولأجل والدتك يجب أن تحاولى يجب أن تصمدى فكيف لكى أن ترفضين أول ما أطلبه منك ِ ""






وحينها وجدتها توافق على العلاج بحماس لم أعهده عليها من قبل بل وتحسنت حالتها النفسية وبدأت بالفعل فى تلقى العلاج وكنت طوال هذه المدة أذهب إليها فى المستشفى يوميا ً لأطمئن عليها


وكانت فى غاية السعادة لذلك








وعندما أفقت من شرودى هذا أخذت أقرأ تفاصيل تلك الفترة على لسان نور من خلال كلماتها فوجدتها تقول : ـ






"" كنت فى البداية لا أجد بداً من أن أتلقى العلاج


فلا أجد فى حياتى ما يستدعى أن أعيش من أجله


حتى أمى فقد أقترب أجلها لذلك كنت أريد أن أُعجل أنا الأخرى بإنهاء حياتى


فليس هناك من سيبكينى كثيراً


لكننى وفى لحظات وجدت نفسي أغير ذلك القدر الذى رسمته لنفسى ...








فقد وجدت من كنت أحلم بلقائه وقد جاء ليرانى إنه يأتينى كل يوم بل وقد أخذ يترجانى لكى أبدأ بالعلاج وحينها شعرت برغبة فى التمسك بالحياة




ولم أستطع حينها أن أخبئ مشاعرى فقد شعرت بموجة حب عارمة تجتاح كيانى


فلم أستطيع أن أحرم نفسي من متعة الحياة






فقد كنت على إستعداد لفعل أى شئ من أجل أن أستمع إلى كلمة حب واحدة تخرج من بين شفتيه




وشعرت بأن هذا اليوم الذى سيصارحنى فيه بحبه قد أقترب


وحينها تمنيت لو كنت مرضت منذ سنين لأحظى بهذا الاهتمام منه




وأرى فى عينيه تلك الدموع التى تترجانى للتمسك بالحياة نعم فأنا أحبه ..




أحبه أكثر من ذاتى ..




وحبه هو فقط من يستطيع أن يمدنى بالحياة




و رأيت حالتى النفسية تتحسن بذهول بل والأكثر من ذلك فقد ذهبت إلى المستشفى وبدأت فى تلقى العلاج وقام الأطباء بتبشيرى بأن حالتى من السهل السيطرة عليها وإننى لو أستمررت بهذا الحماس ستسقر حالتى وسأكون عما قريب متماثلة للشفاء






وحينها شعرت بتأثير الحب على ...


فهذا هو ما يفعله بنا الحب دائما ً ..


إما تحقيق المعجزات ..


أو السقوط إلى الهاوية ""













(7)







وعندما قرأت كلمات نور هذه كانت هى المرة الأولى التى أعلم فيها بأن نور تحبنى




وإلى هذه الدرجة الرائعة من الحب ..




لذلك فقد كان حبها لى بمثابة الصدمة فكيف لم أشعر بهذا الحب من قبل..؟


وكيف لم ألاحظه عليها ..؟


ولماذا لم تخبرنى ..؟






أم هذا هو الحب الصادق دائماً لا نعلم بوجوده فى حياتنا إلا بعدما يفوت الأوان


فها أنذا لم أعرف أن نور كانت تحبنى كل هذا الحب إلا من خلال قرائتى لمذكراتها بعد وفاتها ...!!!








وعندها توجهت لأستكمال بقية هذا الكتيب الصغير الذى يحوى من الألم والمشاعر الرقيقة الكثيرفوجدتها تردف قائلة : ـ






"" كنت أظن أن بعد كل هذا الأهتمام بأن معاناتى قد أقتربت من نهايتها وإننى سأبدأ رحلة جديدة مليئة بالمرح والحب والحياة


ولكن حدث ما لم أتوقعه ....




فبعد أن بدأت حالتى فى الأستقرار وبدأ حبى فى النهوض من مرقده ليعاود الحياة وجدت من أحببته يدخل حجرتى بالمستشفى ذات يوم ولكن ليس وحده بل هناك من تتعلق بذراعه




إنها فتاه جميلة يافعة ..




وشعرت لمجرد رؤيته معها كمن طعننى فى مقتل


وظللت مصدومة هكذا حتى قدمها إلى على إنها خطيبته ...




نعم خطيبة المستقبل قد أتى بها إلى ليعرفنى عليها بل وليأخذ رأيى أيضا ً فى إن كانت تناسبه إم لا




وحينها أخذت أضحك وأضحك وأضحك حتى بكيت من كثرة الضحكات




لأنها ضحكات ساخرة من أحلامى التى شيعت اليوم جنازاتها فقد حددوا موعد الخطبة إنه الخميس المقبل .. فيا له من يوم بائس ..!!!






كم أتمنى أن أموت قبل أن يأتى هذا الخميس الذى سأراها فيه معلقة بين ذراعيه ترتدى فستان الخطبة


ترقص معه رقصات الفرح ....






وحينها ظنوا أن هناك نوبة ألم تجتاح كيانى من كثرة البكاء الذى أختلط بالإبتسام فأستدعوا الأطباء الذين شحنونى بالمسكنات والمهدآت لأنام وأنا كلى أمل بأن لا أستيقظ








ولكننى للأسف إستيقظت فى صباح اليوم التالى


وعندما فتحت عيونى وجدته أمامى قد جاء لزيارتى




وتنهدت أكنت أحلم أمس بأمر خطبته لإمرأةٍ أخرى أم إنها حقيقة ..


فهو الآن أمامى وحده




لكننى فوجئت للمرة الثانية أن ما حدث أمس كان حقيقة ..


فقد جاء ليسألنى اليوم عن رأيى فى عروسته الجميلة..!!




فلم أستطع سوى أن أقول :-




(( حقا ً إنها جميلة .. جميلة للدرجة التى أستولت بها على عقلك وقلبك معا ))






قلت هذا وأنا أضحك وأبتسم لأخفى دمعاتى خشية أن تسقط دون إرادتى فدائماً ما تحكمت بهم فى أوقات المرض والألم فكيف لا أستطيع التحكم بهم الآن فى الغضب ...






وبعد أن رحل فى هذا اليوم من المستشفى بعدما قطع لى عهدا ً بأن يأتى ليرانى غدا ًوجدت نفسى أفكر ماذا أفعل هنا فى هذا المكان الملئ بالأمراض ...؟




أمنتظرة أجلا ً يحملنى لدار أخرى .. ؟




وإذا كان الوضع هكذا فمن الأفضل لى أن أموت هناك فى بيتى وسط ذكرياتى بحجرتى طالما الموت سيكون آخر أختياراتى




نعم فبعد رحيله الأبدى عنى ليس هناك أختيار آخر سوى الأستسلام للألم والموت آملاً فى أن أجد فيه الراحة التى أرجوها




وحينها أخذت أضع أشيائى داخل حقائبى بعد أن قررت مغادرة هذا المكان الكئيب نهائيا ً




فأنا لم أتحمل وجودى هناك طوال الفترة الفائتة إلا من أجله ..


لكن الآن ليس هناك داعى لذلك وبالفعل تركت المستشفى وعدت إلى منزلى وذلك لسبب واحد ..






(( إننى طالما لم أستطيع أن أختار الحياة التى أريد أن أحياها.. فعلى الأقل أستطيع أن أختار الموت بالطريقة التى أفضلها))






انتظرونى وللحديث بقية




...........


الجزء التالت .. هانت :)




(4)






وعندما أستيقظت فى صباح اليوم التالى كنتُ قد عزمت على العودة إلى حياتى الروتينية




العمل ثم البيت ثم الانغماس فى قراءة الكتب لساعات وبالفعل عادت حياتى تمثل شريطا ً سينيمائيا ً لا ينتهى من الروتين المتكرر






ومر أسبوع هكذا دون ان أذهب لأعيد الدبلة لخطيبتى


وكنت أظن إنها أعتادت منى على الجمود


لكننى عزمت أن أغير فكرتها هذه فى اليوم التالى






حيث قررت أن أذهب لها لأعتزر عما حدث منى


بل والذى عزمت عليه أكثر من ذلك هو نسيان نور تماما ً




فليس من الطبيعى أن أعيق حياتى بأكملها من أجل إمرأة قد ماتت




وبالفعل أخذت أهيئ نفسي لبدأ مرحلة جديدة




فأنجزت عملى بإتقان ثم ذهبت إلى البيت وقمت بحلاقة ذقنى التى كانت قد غمرت وجهى كخيوط العنكبوت بسبب الحزن




وأرتديت البذلة الأجمل لدى


ثم ذهبت إلى محل الورود لأشترى أجمل ما لديه من زهور أقدمها لخطيبتى حين لقائنا




عازما ً على أخذها لتناول الغداء فى إحدى الأماكن الجديدة الأكثر رومانسية




وأنطلقت فى طريقى إلى بيتها عازماً على أن أقوم بإعادة الدبلة إلى يديها مرة ً أخرى




وعندما وصلت إلى منزلها قابلنى والدها الذى قال لى إنها ليست بالمنزل الآن حيث إنها خرجت لإشتراء بعض حاجياتها




وأخذ يطمئننى بإنها أوشكت على الوصول لكنى إنتظرت أكثر من نصف ساعة ولم تأتى بعد وحينها لم أستطع الأنتظار أكثر من ذلك فإستأذنت والدها بأن يعيد إليها دبلتها حين عودتها وأن يخبرها بمجيئى وأنطلقت خارجا ً من منزلها







لكننى فجأة تسمرت مكانى ولم أستطع التحرك إذ بى أجد سيارة بيضاء تقف أمام منزلها




ورأيت خطيبتى تنزل من تلك السيارة مع الشاب الذى كان يقودها


رأيته يقبل يديها ويودعها ويتفق معها على ميعاد أخر فى الغد




وحينها شعرت أن الحياة قد توقفت بى فجأة


فلم أستطع التفكير لحظة ...ليس لأننى أكتشفت خيانة خطيبتى لى


بل لأن الشاب الذى كان يقبل يديها هو أعز الأصدقاء لدى الذى لطالما لجأتُ إليه دوماً
كلما حدثت مشكلة بينى وبينها ليقوم بعقد معاهدة الصلح والسلام بيننا





وحدثت نفسى : ـ لماذا يحدث كل هذا لى .............؟




وانهمرت دمعة من عينى دون إرادتى عندما وجدته ينطلق بسيارته




و وجدتها تتقدم بخطواتها نحوى وقد تثبتت قدماى بالأرض


وحينها كانت قد رأتنى وأنا أقف أمام باب منزلها


وقد تأكدت إننى شاهدت ما حدث




لكنها مازلت تتقدم بخطواتها نحوى


تندفع فى الحديث مبررة ما كان يحدث أمام عينى الآن



لم استطع الاستماع او النظر إليها


لم أستطع سوى أن أخلع دبلتى من إصبعى


وأفتح إحدى يديها لأضع الدبلة داخلها ثم إنطلقت فى طريقى دون أن أتفوه بكلمة واحدة




ودون أن أدرى إلى أين سأذهب وماذا سأفعل بعد الآن ........................؟



أخذت يومها أتخبطت فى الطرقات لا أعرف أين سأذهب




وجدت نفسي أسير بدون طريق


وتتزاحم داخل عينى الدموع آبية أن تسقط لكنها تنهمر منى دون إرادتها


رغماً عن كرامتى وكيانى الذين حطمتهم إمرأة أحببتها من كل قلبى


وصديق أخلصت فى صداقته




وكانت الأفكار السوداء تتراكم فى رأسي الواحدة تلو الأخرى لكن رغم كل هذا الكم الهائل من الأفكار لم تبقى فى مذكرتى حينها سوى فكرة واحدة فقط هى من كانت ساطعة




و لحظة واحدة تذكرتها وسيطرت على كيانى


هى اللحظة التى سقطت فيها نور بين ذراعى والمشاعر التى شعرت بها حينها




وأن تلك اللحظة فقط هى ما يمثل الفاجعة الحقيقية الأكبر من خيانة حبيبتى وأعز أصدقائى خصوصا ً وإننى كنت قد عزمت فى الصباح منذ ساعات قلائل على نسيان نور وذكرياتها فهل ماحدث لى فى المساء هو عقاباً على نيتى هذه تجاه نور ..؟






من المؤكد إنه كذلك فقد كنت سأستبدل المرأة الصادقة الحنونة بالمرأة الخائنة وأنا راضى النفس عن ذلك




وخلال تزاحم أفكارى هذه وجدت نفسي أمام منزل نور وكأن قدمى قرأت ما بداخلى


فلم أستطع أن أمنع نفسي من الصعود


والأستمتاع بصحبة والدتها وصحبة ذكرياتى مع نور فى هذا المنزل آملا ً فى أن يخفف هذا عنى قليلا ً من وقع الصدمة






وأن ألتمس فيه طيف نور لترشدنى كما كانت تفعل دائما ً إلى الطريق الصحيح


لتقوينى فى أزمتى هذه وتلهمنى بالصواب وتبدل حزنى وهمى إلى إبتسامة وتفاؤل






وبالفعل وجدت نفسي أطرق باب منزلهم ففتحت لى والدة نور وعندما رأتنى أيقنت أن هناك شئ ما حدث لى لكنها فضلت أن تصنع لى كوباً من الحليب الدافئ لتهدأ أعصابى




وكان صمتها ونظراتها إلى تعبر عن رغبتها الجامحة لمعرفة ما أخبئ فى سرائرى




وبالفعل لم أحتمل تلك النظرات فأنفجرت باكيا ً وكانت هذه هى المرة الثانية التى أفعلها وأنا فى مثل هذا السن




فقد كانت المرة الأولى فور وفاة نور وها هى المرة الثانية تتكرر وفى نفس المكان




وحينها رتبت زوجة أبى على كتفى وأخذت تهون على قائلة : ـ




""إذا كنت لا تستطيع الحديث الآن فلا بأس .. فمن الممكن أن نتحدث وقتما تشاء""






وفضلت الصمت حينها ليرد على حديثها وبعد فترة من الصمت إنطلقت قائلا ً فى غضب جامح : ـ




""لماذا لا أستطيع الحديث مع نور الآن .. ؟ لماذا لا أستطيع أن أخذ رأيها لتوجهنى كما تعودت منها دائما ً..؟""








فبكيت والدتها بمرارة ثم أخذتنى من يدى وفتحت لى باب حجرة نور فكانت الحجرة كما هى منذ آخر مرة رأيتها فيها يوم ممات نور فمازالت أوراقها مبعثرة على مكتبها كما هى تتطاير من نسيم النافذة المفتوحة


فقالت والدتها حينها : ـ




""لقد أبيت أن أغير شيئا ً من ترتيب الحجرة ولكننى أكتفيت بتنظيفها فقط ""




ثم أردفت قائلة : ـ




"" سأتركك الآن مع نور فى حجرتها فمن الممكن أن تشعر هنا بالهدوء والراحة ""






وبالفعل تركتنى وحدى فى غرفة نور لأفضفض كما أريد دون أن أشعر بالحرج منها




وعندما أصبحت وحدى بالغرفة شعرت إننى أشتم رائحة العطر الذى كانت تتعطر به نور




وشعرت بوجودها بجانبى تساندنى فى محنتى من عالمها الآخر




فأخذت أتفقد أوراقها لعلى أجد فيهما ما يهون على ويلهمنى الصبر والسلوى




وفجأة وجدت نفسي أضع يدى على كتيب صغير بدون عنوان




ففتحته




فإذا بى أجده كتيب ذكريات نور




إنه مخطوط بخط يديها وبه كلماتها فشعرت حينها برغبة جامحة فى معرفة ما يحويه هذا الكتاب




وفجأة وجدت طرق على باب حجرتها إنها والدة نور فلم أشعر بنفسى إلا وأنا أخبئ هذا الكتيب بين ملابسى




و ذلك حتى لا ترى إننى كنت أعبث بذكريات ابنتها فتشعر ببعض الحرج




فى ذلك الوقت كانت والدة نور قد أعدت لنا العشاء لنتناوله معا ً




فمنذ زمن بعيد لم نجتمع على طعام




وبالفعل تناولت معها العشاء وإنطلقت عائداً لمنزلى غارقا ً بين أحزانى




أناشد النوم ليأتينى وينجدنى من همومى




وفجأة وأنا أخلع ملابسى لأرتدى ملابس النوم




وجدت بينهما كتيب ذكريات نور


فقد نسيت أن أعيده إلى مكتبها بعدما خرجت والدتها




وكأن القدر أراد لى أن أقرأ ما بين سطوره ..................!


(5)

وبعد أن كنت أناشد النوم ليأتينى .. أصبحت أتمنى بعد أن وجدت هذا الكتيب أن ينسانى النوم لأستطيع قراءة تلك الصفحات



وأخذت أُلقى نظرة سريعة على شكل هذا الكتاب ومحتواه وأتأمل خط يديها الذى غزل تلك الكلمات




وأتخيل حالها عندما كانت تكتب هذه الكلمات




وأتلهف بدأ قرائته




وبالفعل فتحت أولى صفحاته وأخذت أتصفح كلماتها




فوجدت فيها سرد لبعض ذكريات الطفولة التى عشناها معا ً فلم تنسى موقفا ً واحدا ً من مواقفنا سويا ً




وكأن تلك المذكرات قد كُتبت خصيصا ً لنا




فلم تنسى ذكر الأيام التى كنا نلعب ونلهو ونتسابق فيها فى تلك الحديقة أمام المنزل القديم




ولم تغفل تلك الأيام التى كنا نجلس فيها سويا ً فى النافذة نترقب شكل سيول الأمطار وهى تهطل وتتوزع فوق جبيننا فيتمنى كلا ً مننا أُمنيته آملاً فى أن تتحقق






يا لها من أيام رائعة لن تعود أبدا




ًثم وجدتها تنتقل لتصف اليوم الذى خرجت فيه من منزلهم لأنتقل لمنزل آخر




فتشبه هذا اليوم بيوم مظلم كئيب شَعرت فيه بأن ذكرياتها تدفن مع كل خطوة أخطوها خارج هذا المنزل




كما إنها عبرت عن شعورها بالخوف من أن أنساها بعد مغادرتى وأن يكون هذا اليوم بداية نهاية علاقتنا معا ً




وهنا أخذت أتأمل تلك الكلمات متعجبا ً !!!!!!!!!




ما هذا الصدق الذى يغلف تلك الكلمات فقد عبرت عن مشاعر كان من الممكن أن تبوح بها لى لكنها فضلت أن ترسمها على الأوراق لتصبح كلمات بدلا ً من أن تخبرنى بها ..




فيا لها من فتاة ...!!!




فكيف كانت تعيش بيننا هكذا فى عالم كله جرأة وخيانة وجنون




ثم عدت لأستكمل بقية مذكراتها فوجدتها تقول : ـ




"" أن شكها كان بمحله فقد أخذت أبعد عنها تدريجيا ً ولم تعد علاقتنا كما كانت فى سابق عهدها""




ووجدتها تشتكى بمرارة للصفحات .. للكلمات عن زياراتى التى بدأت تقل تدريجيا ً وتعبر عن خوفها وقلقها من أن يأتى اليوم الذى تندثر فيه هذه الزيارات كم أندثرت الأيام الخوالى والذكريات




ثم تصف كيف بدت حالتها بعدما غلف معظم أيامها جفائى .. فتصف أن نومها بدأ يقل وأصيبت بالأرق حتى أصبحت لاتنام ليلا ً أو نهارا ً وأن وجهها بدأ يذبل من كثرة التفكير والخوف مما يخبأه لها المستقبل




وتردف قائلة : ـ



""كم كنت أتمنى أن أشتكى له .. أن أحدثه .. أن أعبر له عن قسوة أيامى بدونه ..


فكيف ينسي أيام الطفولة والشباب


وكأنها لم تكن ذكرياتنا معا ً وكأننا غريبين لم يعرف أبدا ً كلا ً مننا الآخر


أهكذا ستنقطع بيننا الصلة نهائيا ً ""




ثم وجدتها بعد ذلك تتحدث عن بدأ سوء حالتها الصحية




وتشكو من كثرة حالات الأغماء التى تسيطر عليها فى المنزل والعمل




ثم تصف يوما ً أعرفه جيدا ً ..........




فقد كنت قد ذهبت لأتناول معهم الغداء بعد تغيب أكثر من شهر




فأنا أذكرها فى هذا اليوم جيدا ً فقد بدت شاحبة اللون ذابلة وأثناء تحضيرها للطعام وأعداد وجبة الغداء سقطت مغشيا ً عليها




ولم تسترد وعيها إلا بعد أن هَلعتُ وطَلبت لها سيارة الإسعاف وبالفعل تم نقلها للمستشفى وقاموا بإجراء كافة الفحوص الطبية لها




وكنت أظن أن كل ما أصابها هو عبارة عن مجرد إرهاق من كثرة إنغماسها فى العمل فقد إشتكت لى والدتها من هذا مرارا ً وتكرارا




لكننى فوجئت بالطبيب يستدعينى ويخيب ظنونى وآمالى بعد أن يقول لى إنها تعانى من مرض لعين وإنها على وشك الدخول فى المراحل الأخيرة إن لم تسارع بالعلاج إنه (( سرطان بالدم ))






نعم انه هذا المرض الخبيث




ولم نستطع أحتمال الصدمة أنا ووالدتها




لكنها كان لها من الذكاء ما يجعلها تعلم ذلك من نظرات أعيننا




فعلمت بمرضها اللعين وحينها قابلت ذلك بإبتسامة لم أنساها حتى اليوم






إنها أجمل إبتسامة رأيتها على وجهها يوما ً من الأيام




إنها إبتسامة رضا بقضاء الله وقدره




وكأننا نزف إليها خبر سار


وكأنها خشيت أن تسقط دموعها أمامنا فتعذبنا بها




وأرادت أن تخفف علينا مصيبتنا فيها


ولكن من يخفف عليها مصيبتها فى نفسها




فيا لها من إنسانة جميلة ...!!!




علمتنى كيف أواجه مصائبى بالإبتسام ...








تحياتى وللحديث بقية




ويارب الجزء ده يكون عجبكم

نــــــــــــــــــــــــــــــــور 2

النهاردة ابليت حسنا فى الامتحان ههههههههههه

تقدروا تقولوا الحمد لله




(2)





كان يوم مماتها يوماً غريباً بكل المقاييس فقد كانت الأمطار تغمر الطرقات كلها




وكان البرد يغلف الشوارع بإبتهالاته ولم يتوقف الرعد لحظة واحدة عن إطلاق صوته




لذلك فلم أستطيع الخروج من بيتى فى هذا اليوم المبهم المغلف بالغيوم وفضلت المكوث فى البيت




بجانب المدفئة وإستطلاع الكتاب المفضل لدى


وظللت أقرأ فى هذا الكتاب حتى مرت على ساعات لم أعرف عددها




وكان وقت الفجر قد أقترب وبدأت إبتهالاته وفجأة قطع حبل أفكارى رنين الهاتف




فهلعت لأرد عليه فقد قاربت الساعة على الخامسة


ولست متعوداً على إستلام مكالمات فى هذا الوقت من اليوم




وفجأة وجدت رقم المتصل هو رقم منزل نور فرفعت السماعة مسرعاً




ورددت : ـ آلو .. آلو .. نور .. هل تسمعيننى ..؟




لكنها لم تتفوه بكلمة واحدة فلم أسمع منها سوى صوت نحيب وبكاء يعلو عن صوت الرعد فى الخارج




فرددت : ـ ماذا حدث ..؟ يجب أن تقولى لى ... نووووووووور




ولكنها أغلقت الخط ولم أسمع بعدها سوى صوت صفارات الإنزار تنبهنى بأن المكالمة قد أنتهت




وكانت هذه هى المرة الأخيرة التى أسمع فيها صوت نور


لكننى لم أستطع أن أفعل شيئا ً بعد هذه المكالمة


فقد هجرنى النوم وظللت أعاود الأتصال بهم مرارا ً وتكراراً


لكن لا احد يجيب على الهاتف وهنا سيطرت على مشاعر خوف رهيبة لم أعهدها من قبل




فهلعت أرتدى ملابسى بكل ما لدى من سرعة بل إننى نسيت الامطار والبرد فى الخارج


بل ونسيت أيضا ً معطفى ليقينى من كل هذا




وركضت فى الشارع مسرعا ً لا أشعر حتى بسيول الأمطار وهى تنهمر على جبينى


وظللت أركض حتى وصلت إلى منزلهم


فقد كان على بعد شارعين من منزلى




وحينها طرقت الباب بطريقة جنونية


فإستيقظت والدة نور وهلعت لتفتح الباب




وعندما وجدتنى بتلك الحالة التى يرثى لها والامطار تغمرنى وملامح الخوف تنطبق على وجهى




أعتقدت إننى أُصبتُ بمكروه


فرددت والدتها بصوت يغلب عليه القلق ..: ـ


أخبرنى ماذا حدث لك ............؟






فلم أستطع الأدلاء بأى كلمة بل دفعت الباب بكل قوتى


حتى إننى نسيت أن أطرق باب حجرة نور بل إندفعت داخلا ً حجرتها بدون مقدمات




ولكننى لم أجدها فى حجرتها وكان فراشها مازال مرتباً كأنها لم تنم فيه بعد وكان على مكتبها بعض الاوراق تتطاير من نسيم النافذة المفتوحة




فهلعت إلى النافذة وكنت متأكدا ً إننى سأجدها فيها


فلطالما أحبت الاستمتاع بمنظر البرق وسيول الامطار من تلك النافذة




ولكننى لم أجدها تنظر من النافذة بل وجدتها تجلس فى ركن صغير من النافذة فى وضع القرفساء


تحتضن قدميها بيديها الرقيقتين لتحمى نفسها من شدة البرد


وتضع رأسها فوق قدميها مغمضة العينين




فقمت بهزها برفق وناديتها ..نوووووور




ولكنها لم تجب بل سقطت بين ذراعى مفارقة الحياة تماما




ًلم تستطيع والدتها احتمال الصدمة وسقطت مغشيا ً عليها




أما أنا فلم أستطيع أن انسى هذا اليوم بكل تفاصيله المرعبة


رغم مرور خمسين عاماً عليه




وكنت مازلت متحيرا ًحينها لم أعرف بعد ما هو سر مكالمة نور الغامضة لى قبيل موتها ............؟









(3)





بعد وفاة نور سُجنت داخلى أيامى لمدة أربعين يوما ً كنت فيهما بائسا ً من الحياة أسير فى تلك الايام على غير هدى





فقد كانت نور هى الشخص الاقرب من قلبى وكانت هى من تساعدنى فى إتخاذ قراراتى وتصمد معى وقت الصعاب وتقوينى بحكمتها





فعندما أكون فى أشد لحظات حياتى بؤسا ً وتشاؤما ً يكفينى أن أجلس مع نور بضع دقائق لتعيد إليا الحيوية والتفاؤل





ولكن على الرغم من كل ما كان يجمع بيننا حينذاك إلا إننى لم أعتبرها وقتها سوى أخت





معها تربيت ونضجت ومعها تكونت طفولتى ومعها عشت أجمل أيام شبابى وقد كان هذا فقط حينها هو سبب حزنى الرئيسى عليها





وبعد إنقضاء تلك الأربعين ليلة كان يجب أن أنفتح على العالم رويدا ً رويدا





خاصة ً بعد أن أتصلت بى خطيبتى مشتكية لهجرانى إياها طوال فترة حدادى هذه متهمانى بإنها لو كانت هى من ماتت





ما كنت سأحزن عليها هكذا





نعم فقد كنت على الرغم من كل ما كان بينى وبين نور قد قمتُ بخطبة إمرأة ً أخرى





الأمر الذى طالما ندمت عليه طوال حياتى





خاصة ً وإنها كانت شديدة الغيرة من نور على الرغم من قولى لها مرارا ً وتكرارا ً إنها مجرد أخت



وفى هذا اليوم





و نتيجة لإلحاحها على فى الهاتف أتفقت معها أن أقابلها فى المطعم الذى نتناول فيه الغداء دائما ً بعد أن أذهب لأحياء ذكرى الأربعين لنور





وبالفعل قابلت خطيبتى بعد العزاء فى هذا المطعم وجلست معها بضع ساعات كانت تثرثر فيهما كثيرا ُ لكننى لم أستمع إلى كلمه واحدة من كل ما قالته




فقد كنت مازلت ماثلا ً تحت وقع الصدمة




وفجأة وجدتها تصرخ فى وجهى قائلة : ـ





""لقد مللت من شرودك الدائم وانت معى ألهذه الدرجة لا تستطيع أن تنساها بضع دقائق..""





ووجدتها تضع دبلتها على الطاولة وتخرج تاركة لى المكان بأكمله





وحينها شعرت أن المصائب لا تأتى دائما ً فرادى وأن العالم حولى أظلم من المقبرة التى دفنت بها نور منذ اكثر من شهر





وأخذت أسير قليلاً متأملا ً منظر النيل ثم عدت إلى منزلى بعد أن أُنهـِكت قواى





وغرقت فى نوم عميق كأننى لم أنم منذ شهور ففى الحقيقة لقد كان النوم هو ملاذى الوحيد الذى أنسى فيه كل همومى عندما أكون مثقل بالهموم...
تحياتى وللحديث بقية...